(قصة) مريم المصون والذئب الملعون (الجزء الثاني)
فقالت والدتي وهي تبكي بحرقة :-
أمي : يتيمة يعني حلوة
مريم: أها حلوة
امي : هيه…( تبكي )
ومضت السنين ومع مرور الوقت عرفت معنى الموت، وعرفت بأن والدي توفى وذهب لن يعود، وأنا التي كنت أعيش على أمل عودته، أنظر إلى مكان سيارته أمام باب منزلنا، والمكان الذي يجلس فيه صبيحة كل جمعة، ولكن كل هذا ذهب بعيداً وبعيداً جداً، وعشت منتصف طفولتي بلا والد، كبرت أختي خولة ووضعت والدتي أخي محمد بعد وفاة والدي بعدة شهور ومحمد هو الذي ينطبق عليه وصف يتيم أكثر مني لأنني عرفت والدي وهو لم يعرف من هو والده، يراه في الصور ويسمع بذكراه الطيبة فقط.
فاجأتنا والدتي وأنا في سن الثانية عشرة بقرار زواجها من رجل لانعرفه، رأيته مرة واحده فقط، وكانت والدتي بداية الأمر مترددة وكثيراً ما أسمع شجارها مع جدتي وهي تتحدث :-
جدتي: إذا تبينه مابمنعج، بس مالج قعدة في بيت ولدي
أمي: وعيالي؟
جدتي: مابعطيج عيال الغالي عشان يربيهم ريال غريب انتي بتعرسين وبتيبين عيال.
أمي: ماقدر أخلي عيالي
جدتي: عيل لا تعرسين
أمي: عمتيه العرس حفظ للحرمة وأنا محتاجة ريال
جدتي: انزين تزوجي سعيد ( سعيد هو عمي أخو والدي)
أمي: لا مابغيه ماروم أعيش مع حرمته
جدتي: وانتي شوه تبين حرمته؟ سعيد أحسن عن الغريب والبنات بناته يعتبرن.
أمي: لا ماريد
دائماً ما أسمع مثل هذه الحوارات، وعادة ما تفض هذه الحوارات سريعاً ونهوض أحد الطرفين، إما والدتي أو جدتي، وتكررت كثيراً هذه الحوارات، وأنا أعرف معنى الزواج وأعرف معنى ذهاب والدتي ولكنني استغربت.. لماذا تريد والدتي الزواج؟ فسألتها:
مريم: أمي
أمي: نعم
مريم: أنا أبغي أقول شيء
أمي: تكلمي بنتي
مريم: جدتي تبى تاخذنا بيت عمي صح؟
امي: هيه لكن أنا مابوافق
مريم: ليش انزين ؟ عشان بتعرسين صح؟
أمي: تنظر لي وتسكت
أمي: هذا مش أكيد، أنا أبغي أعرس وأبغيكم
مريم: أمي الله يخليج لاتخلينا
أمي: (تحضنني وتبكي)
استقرت الدمعة رسمياً بدلاً عن البسمة، ومضت الشهور والحوار ذاته يعود يومياً بل أكثر من مرة في اليوم، وفي الأخير اتخذت والدتي موقفاً ليس ببسيط، موقف كان هو السيف الذي قطع رأسها وكان بداية ضياع أسرتنا رسمياً، وهو الأمر الذي أوصلني لهذا المستوى، هو الأمرالذي فرق الأشقاء الثلاثة.
من حق والدتي أن تتخذ قراراتها، ولكن من حقنا عليها أن يكون قرارها في مصلحتنا، من حق والدتي أن تتزوج ولكن من حقنا عليها أن لا تتزوج، من حق والدتي الكثير ولكن هي مقيدة بقدر محتوم
قدر كتبه الله علينا وعليها، ولا نملك سوى تنفيذ أمر الله -عز وجل-.
كل هذه الأمور لم تأبه لها والدتي واتخذت القرار الصعب القرار المصيري وهو الزواج والذهاب مع زوجها في بيت منفصل، مما استدعى الأمر أن تأخذنا جدتي إلى منزل عمي.
كان هذا أول مشهد مؤلم في حياتي واقترابي من الذئب الملعون، فعشت بداية المرحلة الإعدادية في منزل عمي سعيد وزوجته التي جعلت الفروق واضحة بيننا وبين أبنائها من الساعة الأولى لقدومنا منزلها، وكان الحامي هو الله -عز وجل-،وكانت جدتي هي الملجأ بعد الله، إلا أنه حصل أمر لم يتوقعه العقل، فبعد مضي شهرين ذهبت جدتي بمفردها لتزور أختها في نفس المنطقة التي نقطنها وعند قطعها الطريق، صدمها أحد المراهقين في الطريق وتوفت -رحمها الله-.
أصبحت حياتي مجرد واجب عزاء أتلقاه من المعزين، منذ نعومة أظافري تعلمت بداية السلام من الجهة اليمنى والجلوس في آخر الصف والوقوف عندما تدخل المرأة أو تخرج، تعلمت كيف أتلقى المواساة.
الموت حق وليس لي اعتراض على حكم الله، وكل ما يشغلني في هذه الأثناء أختي الصغيرة خولة وأخي محمد، فلا ذنب لهؤلاء الأطفال خصوصا محمد الذي لا يعلم مالذي يدور حوله حتى وإن كان قد بلغ وقتها٦ سنوات إلا أنه يظل صغيراً، يظل طفلاً يحتاج إلى والدته ووالده، يحتاج إلى من يضمه على صدره عندما يبكي، يحتاج إلى من يسهر بجواره عندما يمرض، يحتاج لمن يتحمل براءته العفويه في تكسير الحاجات أو السلوك الطفولي المعتاد والمتوقع لمن هو في سنه.
لم يجد محمد هذه الأم التي من حقه كطفل أن يعيش في كنفها، بل وجد زوجة عمي التي تضربه على أطراف أصابعه عندما يلهو أو يرتفع صوته في المنزل، وجد امرأة تجردت من الرحمة وأصبحت وحش
كل ما يهمها معاقبة المخطئ.
كانت والدتي تزورنا وكنت أبكي بحرقة عندما أراها، أترجاها بأن تأخذنا من هنا، وكان عمي يعارض ويرفض، إلا أن والدتي -رحمها الله-، أخذت حكم من المحكمه قاطع بحضانتنا وذهبنا لنعيش مع والدتنا.
أخذ عمي كل شيء من إرث أبي ولم يترك لنا شيء، حتى المنزل استولى عليه، فعشنا مع زوج والدتي..
تابع الجزء الثالث …