حديث القز
صحيفة 24 الاماراتية
يختلف المختلفون دائماً على نسب التطرف، ومن مجرد فتح حوار بسيط عن التطرف أو التشدد الفقهي، حتى وإن كانت نواياك بعيدة عن معرفة مرجعية هذه الفئة، إلا أن مناقشيك وبقدرة قادر يتحولون إلى مؤرخين ومحللي أنساب وخبراء في كشف الحقائق والتزييف!
وقبل أن نبتعد عن أصل التطرف أو التشدد، ليس من المعيب أن نقف قليلاً ونتأمل في نسب هذه العائلة الخبيثة! وقبل أن نعرف النسب أيضاً علينا معرفة العائلة المتشددة التي أنجبت أبناء متطرفين يعشقون رائحة الديناميت, حتى تختصر الأمر على نفسك وفلسفة المؤرخين الزوريين في فك غموض أصل الفقه المتشدد ونسبه، فكر قليلاً واستخدم المؤرخ الموجود بداخل جمجمتك، واسترجع بعضاً من التاريخ لتعرف على من يستند جميع برابرة الإرهاب وقيادتهم ؟ بهذا تُكشف لك الغمة وتضيء لك العتمة وتعرف هذه العائلة من أي رحم خرجت؟ ومن أي بيئة استقت وتشربت مفاهيمها المتحورة على حسب توجهاتها ومصالح منتهجيها.
في يوم من الأيام كان بين الجيران يقطن العم عبدالعزيز ذو اللحية الطويلة والبنية العريضة, وكنا نتشاءم من الذهاب للعب بالقرب من المسجد حيث الساحة الكبرى في المنطقة التي تتيح لنا لعب كرة القدم، وكنا نتحاشى المرور من أمام منزله إلا في أوقات محددة "الاذان أو قبل الإقامة" وذلك لنضمن عدم وجوده، لأن العم عبدالعزيز كان كثير الزجر والتدخل ومنعنا من الصلاة في مساجد محددة وتوجيهنا الى مساجد معينة حتى أنه حطم أمام عيناي (سيكل) أبنه محمد وعندما سألت محمد فقال بأنه منعني من قيادة دراجتي الهوائية قبل الصلاة بثلث ساعة حيث أن في هذا الوقت يجب ان اكون في المسجد لأتوضأ واستعد لاستقبال الاذان! وأنا لم أفعل نسيت.
حظي الطيب ودعاء الوالدين قادني إلى (صالون حلاقة) في نفس منطقتنا، قبل بداية العام الدراسي, فطلبت من صاحب الصالون أن يخفف شعري الطويل بغرض إعادة الهندام والتقليم بهدف الترتيب, فأنا كلي شوق إلى ملاقاة زملائي وأساتذتي في المدرسة، وقبل أن يضع صاحب الصالون قطعة القماش على رقبتي ويلفها، إذا بالعم عبدالعزيز يقف على رأسي فلقد أتى إلى نفس الصالون لحلاقة شعر رأسه، فقمت كالملدوغ من الحنش لأصافح العمل عبدالعزيز وأجلسه في مكاني، ولكنه رفض وأصر على مواصلتي لمشروع الحلاقة وفي الحقيقة هو مشروع تصحير أمر به العم عبدالعزيز عندما رأى صاحب الصالون يقبض المقص في يده فنهره وطلب منه استخدام آلة الحلاقة التي وإن وضعها على فروة رأسك أكلة الشعر مع الجلد!!
ولخوفي الشديد من العم عبدالعزيز تحدثت بنبرة حزينة على شعري وقلت له سأحلق في المرة القادمة، فقال لي حديث شريف عن القز، فقلت في نفسي بما أن المسألة أصبحت شرعية أكثر مما كنت أظن وحضر حديث على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا أملك سوى نعم وحاضر، فطأطأت برأسي لأبدأ عملية اقتلاع البدعة من على فروة رأسي.
ذهبت إلى المنزل متحملاً تعليقات أخوتي وزملائي وكانت على أيامي من يحلق شعر رأسه يغنون له ( أقرع أقيرع) تجرعتها وقلت بما أنها من السنة وشيء يخص ديني لن ألتفت، فذهبت في اليوم التالي إلى المدرسة ومر الأسبوع الأول فوجدت أستاذ مادة الدين الأستاذ رفعت عبدالسميع, فسألني إن كنت عائداً من العمرة فقلت لا، فقال لماذا حلقت شعرك؟ فقلت نظافة واتباع لسنة النبي ألم تسمع عن حديث القز؟ فقال نعم سمعت ولكن ما دخله هل كنت تنوي القز؟ فقلت نعم وشرحت له القصة فضحك وقال يا بني إن الله رحيم بعبادة وعندما قال عمك العزيز عبدالعزيز حديث القز كان يقصد عدم حلق نصف الرأس وترك نصفه فهذه بدعة نهى عنها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فقلت لا يا أستاذ كنت أنوي ترتيب الأجزاء غير المرتبة وإبقاء الهيئة كما هي عليها, فضحك وذهب، استمرت الحياة وتباعدت المنازل، وقبل عدة شهور وجدت محمد ابن عبدالعزيز صاحب الدراجة المحطمة في إحدى عواصم أوروبا ففرحت بلقائه وتجاذبنا أطراف الحديث، ولفت انتباهي شعره الذي أتى بالقز حرفياً فسألته عن والده هل توفي أم هو بخير فقال ولله الحمد بخير كما تعرفه لم يتغير! فقلت هل رآك بهذا الشعر؟ فقال نعم فأنا دائماً معه، فقلت في نفسي لا والله تغير وتغير كثيراً إما أنه خلع الجلباب الذي كان يرتديه أو أنه عاش مسرحية كسر مشاهدتها أحدهم له، ولكن بعد ماذا بعد مشروع التصحر؟ نسأل الله التوفيق والرحمة لنا وللجميع.